اختيار التخصص الجامعي : قصة الجزيرة

لو قلت لكم ان هناك جزيرة خضراء معزولة وسط البحر ولا يوجد عليها أي سكان ونود منكم أن تسكنوا على هذه الجزيرة لمدة أسبوع واحد فقط، مع توفير كل ما تحتاجونه من أكل وشرب ومعدات للتخييم وملابس مقابل 100 ألف دينار تأخذونها بعد انقضاء هذه المدة فهل تقبلون بذلك؟؟

أعتقد أن الكثير سيقبل بهذا العرض المُغري والذي سيغير من حياة الكثيرين. فبالرغم من عدم وجود أي خطوط هاتف أو انترنت على هذه الجزيرة فإن وجودها في مكان جميل مُطل على البحر مع توفر المستلزمات الضرورية للعيش عامل جذب واغراء يشجع قبول هذا العرض المغري.. أليس كذلك؟؟

ولكن الإشكال الذي يقع فيه الكثيرين هي التركيز على المبلغ المعروض وعلى الصورة الجميلة التي سمعوها عن الجزيرة فهل تجري الأمور هكذا في الحياة؟؟ وكم نسبة الذين يسألون عن التحديات الموجودة في الجزيرة ومصير الذين ذهبوا إليها سابقاً؟؟

فماذا لو قلت لكم أن كل من ذهب لهذه الجزيرة لم يرجع قط ولم نجد له أثراً، وأن عليها حيوانات مُفترسة مع وجود الكثير من التقلبات الجوية من أمواج عاتية ورياح شديدة مُستمرة فهل ستكون الرغبة في الذهاب لديكم كما هي؟؟ أم سيمتنع الكثيرين إن لم يكن الكل على الذهاب إليها؟؟

هذه القصة الرمزية هي مثال قريب لما يعيشه الطلبة في اختيار التخصص، فالجزيرة هي تشبيه للتخصص الجامعي الذي يُقدم عليه الطلبة دون بحث وسؤال وقد يكتفي البعض بما يحملونه من معلومات وتصورات قاصرة عن التخصص.

فعلى سبيل المثال يختار بعض الطلبة تخصص الحقوق اعتقاداً منهم أنه تخصص سهل ويُدرس باللغة العربية، وتنتظر خريجيه الكثير من الفرص والوظائف، ثم يفاجئون بالعدد الهائل من الطلبة الداخلين في التخصص وبوجود مواد ومتطلبات لم يلتفتوا لها من قبل ويسمعون عن الأعداد الكبيرة من العاطلين عن العمل في هذا المجال والمُسجلين رسمياً في وزارة العمل ممن لم يجد الفرصة الوظيفية المناسبة، وقد يقدم هذا الطالب بعد مشاهدة كل ذلك بترك الجامعة أو التخبط في تغيير التخصص مرة أخرى وقد يجد من ينصحه بدخول مجال الإدارة لأنه الأسهل وفرصه أكثر وهكذا يستمر في التخبط أكثر وأكثر.

والأولى على هؤلاء الطلبة أن يقوموا بالبحث عن التخصصات التي يرغبون باختيارها والبحث عن طبيعة الدراسة ونوعيه الوظائف المتاحة وسؤال الطلبة الذين يدرسون في التخصص وسؤال الطلبة الخريجين ومن يعمل في هذا المجال وسؤال من لديه الخبرة في سوق العمل، وكل من يتخلف عن ذلك أو يُقصر في ذلك فقد يكون مصيرهم الفشل في اكمال الدراسة من الأساس أو تغيير التخصص مرات ومرات وضياع السنوات في ذلك أو وصولهم الى وظائف وفرص أقل من تطلعاتهم وقدراتهم.

وهناك الكثير من العوامل التي يحتاج الطالب الأخذ بها والنظر فيها قبل اختيار التخصص سأخصص لها مجموعة مقالات قادمة بإذن الله. كما توجد الكثير من المواقع التي تُعين الطالب على فهم نفسه وفهم التخصصات المتاحة بشكل أكبر متوفرة على شبكة الانترنت. كما توجد الكثير من الاختبارات التشخيصية التي تساهم في دلالة الطالب على نقاط قوته وما قد يتناسب معه من التخصصات ذكرتها في مقال سابق بعنوان ” كيف أتعرف على شخصيتي؟ ” يمكنكم الرجوع إليها.

وفي الختام أسأل الله تعالى أن يُلهمكم الاختيار السديد والتخصص الذي يُلبي تطلعاتكم