رحلة في كتـــاب: الإتقـــان

من أجمل وأعمق الكتب التي قرأتها في هذا المجال، ويدور الكتاب عن مسألة قل الحديث عنها، وجانب مهم لو استثمرنا فيه لوصلنا إلى مستويات متقدمة وحققنا الكثير ألا وهو الإتقان، وهو عنوان هذا الكتاب للمؤلف المميز روبرت غرين.

وبحسب المؤلف فهو موضوع لابد أن نسعى ونجتهد للوصول إليه، ولا يكفي لمن أراد الحصول عليه الاكتفاء بالتعليم النظامي الاعتيادي بل لابد من جهد وتعلم ذاتي لسنوات مستمرة والتعلم على يد معلم وشخصية بارزة في المجال وهو ما أسماها المؤلف التلمذة المهنية.

ويتسم هذا الكتاب بالعمق وغزارة المعلومات الواردة فيه فهو بالإضافة للمصادر التاريخية والخارجية الكثيرة التي يضيفها للكتاب فقد قام بترتيب مقابلات شخصية مع عدد من الشخصيات البارزة المعاصرة والمميزة في تخصصاتها، وعرض نتائج دراسات مختلفة حول الإبداع ومجال الأعصاب والإدراك.

وقد عبر المؤلف في مقدمته عن موضوع الكتاب وسبب تأليفه بقوله: “إن المشكلة التي تواجهنا هي أن هذه الصورة من القدرة والذكاء، إما أنها مهملة بوصفها موضوعاً للدراسة، وإما أنها محاطة بمختلف أنواع الخرافات والمفاهيم غير الصحيحة، وهذا كلها يزيدها غموضاً، إننا نتصور أن الإبداع والذكاء يأتيان من العدم، وأنها ثمرة من المواهب الطبيعية، أو ربما نتيجة المزاج الجيد، أو بفعل النجوم والأفلاك، لذا سيكون مفيداً جداً توضيح هذا الغموض بأن نسمي هذا النوع من الشعور بالقوة، ونعاين جذوره من أجل تحدي نوع الذكاء الذي يؤدي إليه، ونفهم كيف يتم إيجاده والمحافظة عليه.”

وقبل الخوض للمزيد من التفاصيل حول الكتاب لابد من تنبيه مهم حوله، والذي ستجد أن المؤلف يستشهد في أكثر من موضع بنظرية التطور لدارون والتأكيد عليها في تفسيره لعدد من القضايا في الكتاب والتحدث عنه شخصياً، وهو الأمر الذي يعيب هذا الكتاب ولا أبلغ من كلام الله في الرد على هذه النظرية الباطلة، كقوله تعالى في سورة التين ((لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ))، وقوله تعالى في سورة المؤمنون الآية 12-14 ((وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) )).

وقد ذكر المؤلف الكثير من الشخصيات التاريخية كجزء من التحدث عن الإتقان مثل ليوناردوا دافنشي، بنيامين فرانكلين، جون كيتس، مايكل فارداي، توماس أديسون، آينشتاين، هنري فورد.

ومن الشخصيات المعاصرة التي ذكرهم المؤلف كذلك عالم الأعصاب فيلا نور إس راماشاندران، والعالم اللغوي دانيال إيفريت، ومهنس الحاسوب بول غراهم، ومدرب الملاكمة فريدي روتش، وأستاذة تربة المواشي والمهندسة الصناعية تمبل غراندن، والطيار سيزار رودريغر.

“لن يجد المال والنجاح طريقهما إلى الذي يركزون على الأشياء والأهداف، بل إلى الذين يركزون على الإتقان والقيام بمهمة حياتهم.”

ويشتمل الكتاب على ستة فصول تقع كلها تقريباً في 440 صفحة، وهي باختصار:-

  • الفصل الأول: اكتشاف رسالتك الذاتية ومهمة حياتك، واكتشاف الأنشطة والموضوعات التي تتناسب مع ميولك.
  • الفصل الثاني إلى الرابع: مرحلة التدريب المهني، مهارات التعلم، العمل مع المرشدين، الذكاء الإجتماعي، التلمذة الذاتية.
  • الفصل الخامس: مناقشة جوانب مختلفة حول الإبداع
  • الفصل السادس والأخير: البلوغ لمرحلة الإتقان.

“إن مستقبل العلم لا يكمن في زيادة التخصص، وإنما في الجمع والتلاقح بين حقول المعرفة والتخصصات في مختلف المجالات.”

الكتاب مفيد للغاية لمن أراد التعلم والوصول لمرحلة الإتقان في حياته والمهتمين بهذه المواضيع، وهو مرجع مهم كذلك للعاملين مع الطلبة وتوجيههم واكتشاف طاقاتهم وامكانياتهم.

ويمكن الاستعانة بأفكار هذا الكتاب في رسم برامج صارمة والعمل على بناء الطلبة المميزين في شتى صنوف العلوم والتخصصات كمجالات الشريعة والعلم الشرعي، التقنية والبرمجة، الطب البشري وفروعه، المجالات والمهني البدوية وغيرها كثير من المجالات التي تحتاج للخبراء والمتقنين والبارزين فيها.

وأختم بمقولة من هذا  الكتاب المميز: “الإتقان ليس مسألة جينية تنتقل بالوراثة أو ضربة حظ، بل هو اتباع ميولك الطبيعية والرغبة العميقة التي تثور من الداخل.”